كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قالوا: زعموا أن فرعون -قبّحه الله- أضرّ به العطش، وعطش عطشًا شديدًا؛ لأنه صار كلما استقى ماء فإذا هو دم عبيط، وأنه اضطر إلى مَصِّ مِيَاهِ الشَّجَرِ التي تكون في الشجر، قالوا: فإذا مصّ ماء الشجرة فوصل فاه فإذا هو دم - والعياذ بالله تعالى - قالوا: مكث عليهم الدم سبعة أيام، من السبت إلى السبت، فلما تأذوا به كثيرًا شكوا إلى فرعون، وجاء فرعون موسى وقال: الآن حُق لنا أن نتوب التوبة النصوح فـ {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: آية 134] فلما كشفه عنهم رجعوا إلى أخبث كفرهم وأشده، وهذا من اللجاج؛ ولأجل هذا - اللجاج والكفر وإخلاف الوعد - غضب موسى عليهم غضبًا شديدًا، ودعا رَبَّهُ ذلك الدعاء الحاد العظيم حيث ذكره الله في سورة يونس في قوله: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} [يونس: آية 88] وفي قراءة أخرى (¬1): {لِيَضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: الآيتان 88، 89]؛ لأن [هارون] (¬2) قال: آمين. والمُؤَمِّن أحد الداعيين. وهذا معنى قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} [الأعراف: آية 133] (آيات) حال. أرسلنا عليهم هذه الأشياء في حال كونها آيات. أي: علامات ودلالات واضحات لا شك في الحق معها.
وقوله: {مُّفَصَّلاَتٍ} قال بعض العلماء: {مُّفَصَّلاَتٍ} أي: بينات
¬_________
(¬1) مضت عند تفسير الآية (55) من هذه السورة.
(¬2) في الأصل: «موسى». وهو سبق لسان.

الصفحة 123