كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقوله: {بِمَا صَبَرُواْ} الباء سبَبِيَّة، و (ما) مصدرية، أي: بسبب صبرهم. وذلك يدل على أن الصَّبْرَ سَبَبٌ لِلْفَرَجِ كما هو معروف، وكما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: آية 45] وهذا معنى قوله: {بِمَا صَبَرُواْ}.
وقوله: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} التدمير: الإهلاك التام. والمعنى: دمرنا وأهلكنا ما كان يصنعه فرعون وقومه من القصور التي كان يبنيها، والبنايات التي كان يضعها في الأرض دَمَّرَهَا الله وهَدَمَها وأهلكها.
وقوله: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} قرأ هذا الحرف جماهير القراء غير ابن عامر وشعبة عن عاصم: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} بكسر الراء مضارع عَرَشَه يعرشه. وقرأ من السبعة: ابن عامر وشعبة عن عاصم: {وما كانوا يَعْرُشُون} (¬1) وهما لغتان وقراءتان صحيحتان، (يعرُشون) بضم الراء لغة بني تميم.
ومعنى: {يَعْرِشُونَ} فيه وجهان للعلماء (¬2): قال بعض العلماء: {يَعْرِشُونَ} أي: لجنات الكرم، وهو العنب يجعلون لها العريش لتمتد عليه، كما تقدم في قوله: {جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: آية 141].
وقال بعضهم: عَرَشَه: إذا رفع بناءه، والعرش أصله السقف، وعروش الأبنية: سقوفها. يعني: ودمرنا ما كانوا يرفعونه من البناء كصرح هامان المشهور، ونحو ذلك. وهذا معنى قوله: {وَدَمَّرْنَا مَا
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص214.
(¬2) انظر: ابن جرير (12/ 156)، (13/ 78)، القرطبي (7/ 272).

الصفحة 129