كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الآيتان 92، 93] ويوشك أن يسألكم الله عن ماذا كنتم تقولون فيما مدح به نفسه من صفات الكمال، كاستوائه على عرشه، وكصفة اليد والأصابع، وغير ذلك من الصفات التي أثنى الله بها على نفسه، وكالتي في قوله هنا: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} [الأعراف: آية 99] فإذا قال لكم رب العالمين: ماذا كان موقفكم في دار الدنيا من صفاتي التي مدحت بها نفسي، وأثْنَى عَلَيَّ بِهَا رَسُولي صلى الله عليه وسلم، وبلَّغكم إياها عَنِّي في كتابي وسنة رسولي، هل كنتم تصدقونني، وتؤمنون بي، أو كنتم تنفون صفاتي وتكذبونني وتكذّبون رسولي؟! فلا يخفى على أحد منكم -على طريق الإنصاف- أنه إن كان جوابه لربه في هذا التعليم الذي علمناكم في نور القرآن أنه تعليمٌ صاحبهُ ناج من هذه المشكلات، ولا تأتيه بليّة، بل إنك إن قلت لله: أما أنا فكنت في دار الدنيا أُنَزِّهُ صِفَاتك عن صفات المخلوقين، وأعْتَقِدُ اعْتِقَادًا جازمًا أنَّكَ لا يُمَاثِلُك ولا يشابهك شيء من خلقك، لا في ذاتك، ولا في صفاتك، ولا في أفعالك.
فهذا الجواب لا شك أنه لا يُسَبِّبُ لك بَلِيَّة، ولا مشكلة من الله ولا لومًا، ولا تقريعًا، ووالله لا يقول لك الله موبخًا: لم كنت تُنَزِّهني عن مشابهة صفات خلقي؟ لا، لا والله.
ثم إنك إذا قلت: أنا كنت أؤمن بصفاتك، وأصدقك بما تمدح به نفسك، وأُصدق رسولك، ولا أكذبك فيما كان يثني به عليك من الصفات، ولكن ذلك الإيمان والتصديق مبني على أساس تنزيهك وتعظيمك وإجلالك عن مشابهة صفات الخلق. والله لا يقول لك الله: لم كنت تصدقني في دار الدنيا، وتصدق رسلي، ولم لا تكذبني وتنفي صفاتي؟ لا، لا. هذا طريق سلامة محقق لا شك فيه.

الصفحة 13