كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} [الأعراف: آية 137].
[18/أ] / {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139)} [الأعراف: الآيتان 138، 139].
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} العرب تقول: جاوز الشيء وجاوز به غيره إذا جازه وتعدّاه، و (فَاعَلَ) هنا بمعنى المجرد بمعنى: جاز. أي: إذا تخطاه وتعداه، وذلك أن الله (جل وعلا) لما أمر نبيه موسى أن يُسري ببني إسرائيل ويرفع عنهم يد قهر فرعون، وأسرى بهم ليلاً ذاهبين إلى جهة البحر الأحمر، وأن فرعون استيقظ من الصباح فلم يجد من الإسرائيليين أحدًا، فأرسل فرعون في المدائن حاشرين، وزعم أن الإسرائيليين قليل {إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)} [الشعراء: الآيتان 54، 55] وأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا، فلما ارتفع النهار تراءا الجمعان: بنو إسرائيل على شاطىء البحر، وفرعون يتبعهم من ورائهم، فخاف الإسرائيليون خوفًا شديدًا كما أوضحناه سابقًا في سورة البقرة، فقالوا: إن تقدمنا فالبحر أمامنا، وإن تأخرنا ففرعون وجنوده من ورائنا. فقال الله لهم ما قال في سورة طه: {لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى} وفي قراءة أخرى: {لا تَخَفْ دركًا ولا تخشى} (¬1) [طه: آية 77] دركًا مما وراءك من فرعون وجنوده، ولا تخشى من البحر أمامك، سيجعل الله لكم مخرجًا.
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص296.

الصفحة 130