كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وعند ذلك أوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فضرب البحر بعصاه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم. يعني صار البحر كأنه جبال عظام بينها طرق، وأرسل الله عليها الريح -كما يقول المفسرون- فيبست كما أشار له تعالى بقوله: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: آية 77] يزعم المفسرون أنه كانت في البحر اثنتى عشرة طريقًا، وأن الأمواج ممسكة بين الطرق بقدرة الله وإرادته كأنها الجبال الشامخة، كما قال تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: آية 63] أي: كالجبل الشامخ المنيف، ويزعم المفسرون أن الله جعل بينها فُرجًا كالكّوة التي تكون في البيوت حتى صار ينظر بعضهم إلى بعض (¬1)، وأنهم سلكوا في تلك الطرق قاطعين للبحر، وأن فرعون لما وجدهم دخلوا البحر يزعمون أنه كان على جواد ذكر من الخيل، وأن جبريل جاء أمامه على فرس وديق -وهي التي تحب الفحل، وإذا كانت تحب الفحل كان يُشم فيها ريح ذلك- وأن الجواد شم فيها ريح ذلك واقتحم، فاقتحموا في البحر مع تلك الطرق (¬2)، ولما جاوز موسى البحر ببني إسرائيل أراد أن يضرب البحر بعصاه ليلتئم، فقيل له: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا} [الدخان: آية 24] أي: خَلِّه ساكنًا منفلقًا. ليدخل فرعون وقومه فيغرقوا؛ لأنه لو التطم لرجع إلى حالته ولرجعوا، فلما تكامل خروج بني إسرائيل ومجاوزتهم البحر، وتكامل دخول القبط -فرعون وقومه- أطبق الله عليهم البحر، وتلاطمت أمواجه، فلم يبق منهم داع ولا مجيب، كما أوضحناه سابقًا في
¬_________
(¬1) انظر: البداية والنهاية (1/ 271).
(¬2) انظر: ابن جرير (15/ 195).

الصفحة 131