كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ثم أجابهم هنا قال: {إِنَّ هَؤُلاء} الذين يعبدون هذه الأصنام {مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} [الأعراف: آية 139] المُتَبَّر: اسم مفعول (تبَّره) والعرب تقول: تبّره يُتَبِّره تتبيرًا: إذا كسّره ودمره، والإناء المُتَبَّر: معناه المكسر. والذهب المُتبَّر: المكسر. والتِّبر: قطعة من الذهب إذا تُبِّر، أي: إذا كُسِّر. ومنه قوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: آية 7] هذا الذي فيه هؤلاء من عبادة الأوثان مُدَمَّر، مُحْرقٌ، مُكسر لا خير فيه؛ لأنه كله باطل، ولا ينبغي لأحد أن يفعله (¬1) {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وأظهر أوجه الإعراب في هذا (¬2): أن قوله: {مُتَبَّرٌ} هو خبر (إن) وأن قوله: {مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} نائب فاعل (مُتَبَّر) وكذلك {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فاعل به لقوله: {وَبَاطِلٌ}. هذا أجود الأعاريب في الآية.
وهذا معنى قوله: {إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139)} الباطل: هو الزائل المضمحل الذي لا بقاء له؛ لأن الله يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا (23)} [الفرقان: آية 23] فهذا معنى قوله: {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
{قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا} [الأعراف: آية 140] بهمزة استفهام الإنكار، ينكر عليهم إنكارًا شديدًا، والعرب تقول: أبغيك وأبغي لك. معناه: أطلب لك. أفغير الله أطلب لكم إلهًا؟ {إِلَهًا} غير الله، والهمزة للإنكار، أَنْكَرَ عليْهِمْ هذا الطلب إنكارًا شديدًا؛ أوَّلاً وَصَفَهُمْ بالجَهْلِ، وبيَّن لهم بطلان عبادة الأصنام، ثم أنْكَر عليهم طلبهم إلهًا غير الله؛ ولذا قال: {أَبْغِيكُمْ إِلَهًا} أبغي لكم
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 273).
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 444).

الصفحة 134