كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

يبغونكم سوء العذاب، كما تقول لمن طلب السلعة: سامها. والعلماء يقولون: سامه كذا: إذا أذاقه إِيَّاهُ، ومنه: سَامَهُ العَذَاب: إذا أذاقه العذاب وكلَّفَهُ إيَّاهُ. وهو مَعْنى مشهور في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته (¬1):
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ الناسَ خَسْفًا ... أَبَيْنَا أنْ نُقِرَّ الذُلَّ فِينَا

ومعنى {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}: يذيقونكم ويكلفونكم سوء العذاب، والإضافة في قوله: {سُوءَ الْعَذَابِ} من إضافة الصفة إلى موصوفها؛ أي: يذيقونكم العذاب الموصوف بسوء من يقع عليه؛ أي: العذاب السيئ الشديد.
{يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ} قرأ هذا الحرف عامة القراء غير نافع: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ} وقرأه نافع وحده: {يَقْتُلون أبناءكم} بسكون القاف وضم التاء (¬2). وقرأ مع نافع ابن كثير: {سَنَقْتُلُ أبناءهم} (¬3) [الأعراف: آية 127] والجمهور يقرءون: {سَنُقَتِّلُ} و {يُقَتِّلُونَ} بصيغة التضعيف؛ لأن التضعيف يدل على التكثير، يقتل أولادهم كثيرًا. وهذا معنى قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي: إناثكم يتركوهن حيات.
وفي هذه الآية الكريمة ونظائرها في القرآن سؤال معروف، وهو أن التحقيق في قوله: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} كأنه بدل من قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: آية 141]
¬_________
(¬1) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران ص214.
(¬3) انظر: المبسوط لابن مهران ص213.

الصفحة 136