كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

عدو لا يشفق عليها، ويفعل بها ما لا يليق، ويكلّفها ما لا تطيق أن هذا من سوء العذاب، وقد قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ ... } الآية [النساء: الآية 9] (¬1) وهذا معروف، وقد كان العرب إنما وأدوا بناتهم وفعلوا ذلك الفعل القبيح يخافون أن تبقى بعدهم فيهينها الناس، أو يتزوجها غير الأكفاء، فإهانة البنت وفضيحتها عَذَاب عَلَى وَلِيِّهَا؛ ولذا كان العرب يَتَمَنَّوْنَ الموت لبناتهم خوفًا مِنَ العَار، وخوفًا من الأذيّة والفضيحة والاضطرار لتزويج غير الأكفاء. وهذا كثير معروف في كلامهم، وكان شيخ كبير له بنت تُسمى (مودّة) كان يقول فيها (¬2):
مَوَدَّةُ تَهْوَى عُمْرَ شَيْخٍ يَسُرُّهُ ... لها المَوْتُ قَبْلَ اللَّيْلِ لَوْ أَنَّهَا تَدْرِي ...
يَخَافُ عَلَيْهَا جَفْوةَ النَّاسِ بَعْدَهُ ... وَلاَ خَتَنًا يُرْجَى أَوَدُّ مِنَ الْقَبْرِ

ولما خُطِبَتْ عند عقيل بن عُلَّثَة المري ابنته الجرباء قال (¬3):
إِنِّي وَإِنْ سِيقَ إِلَيَّ المَهْرُ ... أَلْفٌ وَعُبدَانٌ وذَوْدٌ عَشْرُ ...
أَحَبُّ أَصْهَارِي إِلَيَّ الْقَبْرُ

وفي شعر الحماسة (¬4):
تَهْوَى حَيَاتِي وَأَهْوَى مَوْتَها شَفَقًا ... وَالمَوْتُ أَكْرَمُ نَزَّالٍ عَلَى الحُرَمِ
والله يقول في كتابه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9)} [النساء: آية 9] قال بعض العلماء: هذا وجه كون استحياء النساء من جنس
¬_________
(¬1) نهاية الانقطاع.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.
(¬3) السابق.
(¬4) السابق.

الصفحة 138