كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

كَامِلَةٌ} [البقرة: آية 196] وبعضهم يقول (¬1): نصّ على الأربعين لئلا يتوهم مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الثلاثين تُمِّمَتْ بِعَشْرٍ من الثلاثين، بل بين أنها تُممت بشيء زائد على الثلاثين، وهذا معنى قوله: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} ليصومها ويتعبد فيها فيناجيه الله وينزل عليه الكتاب المعروف التوراة {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} للسبب الذي ذكرنا {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: آية 142] يقولون: إن انتهاءها عاشر ذي الحجة، وأن الله أنزل عليه التوراة في عشر ذي الحجة.
قال بعض العلماء (¬2): هذه الآية الكريمة يؤخذ منها بعض الأحكام: وهي أن ضرب التأجيل وتحديد المُدة للميعاد ونحوه أنه أمر معروف قديم، فيدل على ضرب الأجل، والتحديد بثلاثين أو أربعين لموعد ونحو ذلك كدين أو غيره مما يحتاج إلى الآجال.
وقال جماعة من العلماء (¬3): هذه الآية من سورة الأعراف دَلَّت على أن التاريخ بالليالي لا بالأيام، وذلك هو المقرر في فَنِّ العربية كما دلت عليه هذه الآية أن التاريخ بالليالي لا بالأيام، فتقول: وقع هذا لكذا وكذا ليلة. ولا تقول: لكذا يومًا. فالتاريخ بالليالي؛ لأن الليالي أوائل الشهور وهي سابقة للأيام، فالتاريخ بها لا بالأيام، وهذه الآية نص صريح في ذلك؛ لأن الله قال: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} ولم يقل: ثلاثين يومًا. وقال: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} حذف منها التاء ولم يقل: «بعشرة»؛ لأن الليالي مؤنَّثَة، ولو أراد الأيام لقال: «بعشرة». بالتاء كما هو معروف في محله، وهذا معنى
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 275).
(¬2) انظر: المصدر السابق (7/ 275).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة.

الصفحة 142