كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قوله: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} الميقات: (مِفْعَال) من الوقت، أي: الزمان المؤقت لهذه المناجاة وإعطاء هذا الكتاب العظيم الذي هو التوراة {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: آية 142] أي: ولمّا تم ذلك الميقات ناجاه الله وكلمه الله. وسيأتي تكليمه له قريبًا في الآيات الآتية، وأعطاه التوراة كما سيأتي موضحًا في هذه السورة الكريمة، ولما أراد موسى أن يغيب عن قومه وكّل أخاه هارون على قومه؛ لأن موسى هو الذي نُبئ وأُرسل أولاً، وهو الذي شفع لأخيه في الرِّسَالة فكأنه هو الأصل في هذا كله، وهارون إنما نَبَّأَهُ اللهُ لمّا سَأَلَهُ موسى ذلك كما في قوله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)} [طه: آية 36] لما أراد السفر إلى الميقات للمناجاة قال: يا هارون {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} معنى {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} أي: كن خليفتي فيهم {وَأَصْلِحْ} [الأعراف: آية 142] يعني: أصلح كل ما يحتاج إلى الإصلاح من أمرهم، وإذا رأيت من يريد الفساد كمن يريد عبادة العجل لا تتبع سبيله، بل كن على الإصلاح دائمًا، كن خليفتي فيهم وافعل فيهم ما كنت أفعل، وكن مصلحًا كل ما يحتاج إلى الإصلاح، ولا تتبع سبيل من أراد الفساد.
هذه وصية موسى لأخيه هارون لما أراد السفر، ولما عجل عن قومه، وجاء ربه للميقات، وسأله ربه عن سبب عجلته عنهم {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولاَء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)} [طه: الآيتان 83، 84].
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي

الصفحة 143