كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بالتراب وصار فتاتًا ترابًا لعظمة رب العالمين (جل وعلا). فتبين لموسى أن الله لو تجلى له -يعني- لما أطاق ذلك؛ ولأن ما فتت الجبال لا يقدر على حمله موسى، هذا معنى الآية.
ومَعْلُوم أنَّ المُعْتَزِلة والخوارج وبعض الضُلاَّل يستدلون بهذه الآية من سورة الأعراف على أن رؤية الله مستحيلة بتاتًا في الدنيا والآخرة، ويزعمون أن (لن) في قوله: {لَن تَرَانِي} [18/ب] أنها للنفي المؤبد في المستقبل/ وأنها تنفي الرؤية مستقبلاً بتاتًا في الدنيا والآخرة، وأن موسى تاب إلى الله من هذا الطلب، حيث قال: {تُبْتُ إِلَيْكَ} (¬1).
والتحقيق الذي لا شك فيه الذي يجب على كل مسلم اعتقاده في شأن رؤية الله (جل وعلا) أنها بدار الدنيا جائزة عقلاً غير واقعة شرعًا، أما جوازها عقلاً فمن أعظم الأدلة عليه: أن نبي الله موسى طلبها من ربه، ولا يخفى على موسى الجائز عقلاً من المستحيل عقلاً، فمن المحال الباطل أن يكون نبي الله موسى يجهل المستحيل بحق الله ويعلمه أشياخ القدرية الجهلة الضُّلال!! أشياخ المعتزلة الجهلة الضُّلاّل!! هذا مما لا يكون ولا يقع!! فقول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} يدل على أن رؤية الله في دار الدنيا جائزة عقلاً، والذي منع منها عجز الآدميين عن تحمُّلها؛ لأن الله لما تجلى للجبل انْدَكَّ الجبل، فما بالك باللحم والدم؟! فهي في دار الدنيا جائزة عقلاً، وأما في الآخرة فلا شك أنها واقعة، ومن أنكرها فهو
¬_________
(¬1) انظر: شبهتهم هذه والجواب عنها في شرح الطحاوية ص212، الأضواء (2/ 332)، دفع إيهام الاضطراب ص120 - 122 وراجع ما سبق عند تفسير الآية (103) من سورة الأنعام.

الصفحة 149