كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بالقرآن تقييد نفيها بيوم معين، في قوله: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: آية 26] لو كان نفي (لن) للكلام نفيًا مؤبدًا إلى يوم القيامة لكان قول مريم مناقضًا لذلك التأبيد كما ترى.
الموضع الثاني: أن (لن) لو كانت تقتضي التأبيد الأبدي لما كان الله يقول بعد نفيها (أبدًا)، لأن لفظة (أبدًا) تكون تكرارًا مع التأبيد الذي دلت عليه (لن) كقوله: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: آية 95] لأن قوله: {أَبَدًا} على زعم المعتزلة يكون تكرارًا مع النفي الأبدي الذي زعموا أنه تدل عليه (لن) فلما قال الله بعد نفيها: {أَبَدًا} عرفنا أنهم كاذبون في ذلك.
الموضع الثالث: أن (لن) لو كانت تدل على النفي المؤَبَّد البات إلى الأبَدِ لما جاز أن يوقّت نفيها بغاية معينة، وقد جاء في القرآن أن الله غيَّا نفيها بغاية معينة، وكونه غيّاه بغايَة معينة يناقض أنه إلى الأبد، كما في قوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي} قوله: ... {حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: آية 80] قَصْرُ هذا النفي على وقت الإذن ينافي كون (لن) هي نصّ في النفي البات كما ترى، فتبين من هذا أن قول المعتزلة: إن (لن) للنفي المستقبل البات الأبدي ولو فرضنا أن العربية تساعدهم على ما يقولون - فرض جدل - لما كان لهم في ذلك حجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - بيّن في الأحاديث الصحيحة المتواترة أن نفي {لَن تَرَانِي} منقطع يوم القيامة، فصرح بأنهم يرونه يوم القيامة كما لا يخفى، وهذا معنى قوله: {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}.
قرأ هذا الحرف من السبعة: عاصم وأبو عمرو وحمزة:

الصفحة 153