كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} بكسر نون (لكن) على قاعدة التخلّص من التقاء الساكنين.
وقرأه باقي السبعة: {ولكنُ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ} بضم النون إتْباعًا لضمة الراء كما هو معروف (¬1).
{وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ} الجبل {مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي: ظهر (جل وعلا) وكشف نوره للجبل انهد الجبل، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} أي: مدكوكًا، قال بعض العلماء: رفاتًا ترابًا مختلطًا بالأرض. وعلى قراءة حمزة والكسائي: {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} (¬2) [الأعراف: آية 143] كأنه شبهه بالناقة الدكَّاء، والعرب تقول: ناقة دكَّاء، وجبل أَدَكّ. فالناقة الدكَّاء هي التي لا سنامَ لها؛ أي: لا ارتفاع في ظهرها، فظهرها كله مستو غير مرتفع، فكانت أرض الجبل كأنها لا ارتفاع فيها، وأنها دكّاء مستوية بالأرض، خلافًا لبعضهم القائل: إن دكَّاء مرادها: المرتفعة عن الأرض قليلاً كالدكة، وعلى كل حال فالله (جل وعلا) لما تجلَّى للجبل دك الجبل وأزاله وكسَّره، وصار رُفاتًا لعظمة خالق السماوات والأرض على القراءتين: {جَعَلَهُ دَكًّا} {جعله دكَّاء}.
{وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} خرّ نبي الله موسى من شدة الخطب الذي دك الجبل، خرّ في حال كونه صعقًا، أي: مغشيًّا عليه، خلافًا لقتادة القائل: ميتًا، وأن الله أحياه.
¬_________
(¬1) انظر: الإتحاف (2/ 61).
(¬2) مضى قريبًا.

الصفحة 154