كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

اعلموا -أيها الإخوان- أن شكر خالقنا واجب علينا (¬1)، فهذه العيون التي فتح الله في أوجهكم من أعظم نعمه عليكم، فمِن شُكْرِها: أن لا تنظروا بهذه العيون إلا ما يُرْضِي مَنْ خَلَقَهَا وتَفَضَّلَ عَلَيْكم بها، أما النَّظَرُ في المحرَّمَات فلا ينبغي للعبد أن يَسْتَعْمِلَ نِعْمَةَ اللهِ فيما يغضب الله ويسخطه، فهذا أمر فظيع شنيع!! منّ الله عليكم بهذه الأيدي، وفرّق أصابعها، وأبعد إبهامها من الأصابع ليمكنكم العقد والحل، وشد رؤوسها لكم بالأظفار، فَشُكْر هذه الأيدي: ألا تبطشوا بها، ولا تتناولوا بها إلا ما يرضي مَنْ خَلَقَهَا وامْتَنَّ عليكم بها، وهكذا في سائر الأعضاء والجوارح، والجاه والمال، وغير ذلك، فلا تستعينوا على سخط الله بنعم الله، بل اشكروا لله نعمه، واصرفوا نعمه فيما يُرْضِيهِ، واعلموا أنَّ مِنْ أَقْبَحِ القبائح وأرْذَلِ الرذائل أن يكون العبد الضعيف الحقير يمُنّ عليه خالق السماوات والأرض (جل وعلا) مع عظمته وجلاله بنعمه ثم إنه يصرف نعمه فِيمَا يغضبه ويسخطه!! هذا مِنْ أقْبَحِ الأفْعَالِ وأخَسِّهَا، ومَنْ لَهُ عَقْلٌ يستحيي مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلكَ.
واعلموا أن مادة (الشكر) تتعدى إلى النعمة بنفسها بالإجماع، كقوله: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [النمل: آية 19] أما تعدي مادة (الشكر) إلى المنعم فاللغة الفصحى أنها تتعدى باللام، وبالغ قوم من علماء العربية فقالوا: لا يجوز تعديها بنفسها (¬2)، وهذا إفراط شديد!! فمثلاً لو قلت: نحمد الله ونشكره. هذا لا ينبغي أن يُقال!! وليس هو الأولى. وزعم بعضهم أنه لا يجوز. فيقول: نحمد
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (46) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (53) من سورة الأنعام.

الصفحة 158