كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

رَامَ نَفْعًا فَضَرّ من غير قَصْدِ ... ومن البرِ ما يكونُ عُقُوقَا (¬1)

فيقول أولاً: الاستواء معناه: انتصاب المخلوق هذا الانتصاب المعروف، وهذا لا يليق بالله. فكان مبتدأ قضيته بتشبيه صفة الله التي مَدَحَ بها نفسه بصفة الخلق، وهذا منشأ الغلط وسبب البلية، فلما وقع في ذهنه شيء من أنجاس التشبيه، وأقذار تشبيه الخالق بخلقه سبَّب له بليّة عظمى، ومشكلة كبرى، قال: إذًا لما كان الاستواء غير لائق بالله لا بد أن ننفيه ونؤوله بغيره من صفة لائقة، فقال: إذًا معنى الاستواء: الاستيلاء. والعرب تطلق (استوى) -كما يزعم- وتريد (استولى) ويستدل ببيت الرجز المشهور (¬2):
قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلَى العِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مهْراقِ
يقول: «قد استوى بشر» معناه: قد استولى، وإذًا: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: آية 2] ثم استولى على العرش. وهذا - أيها الإخوان - غَلَطٌ فاحِشٌ، وإن قال به من قال به، واعتقده من اعتَقَدَهُ، إلا أن المُسْلِمَ يجب عليه الإنصاف والنظر في آيات الله، ولا سيما في صفات خالق السماوات والأرض، فلْيَحْذَرْ مِنَ التعصب. وأنا أوَضِّحُ لكم هذا غاية الإيضاح: فنحن مثلاً لو قلنا لمن قال: استوى معناه: استولى. و «قد استوى بشر على العراق». قلنا له: أيها الإنسان أما تخاف الله؟! أما تستحيي من الله؟ في أي مسوِّغ من كتاب أو سنة، أو أي نقل أو عقل سوَّغت لنفسك أن تُشَبِّه استيلاء الله على عرشه -الذي زعمت- باستيلاء بشر بن مروان على العراق؟! هل يُعْقَل في
¬_________
(¬1) مضى قريبًا.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (158) من سورة الأنعام.

الصفحة 16