كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقول الله في هذه الآية: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: آية 144] صفة الكلام هي التي جاء بها الذين يبحثون عن الكلام (¬1)، وجاءوا ببلايا، وجاءوا بعلم الكلام، وغيّروا عقائد الناس، وجاءت البلايا من ذلك الوقت لما دخل علم الكلام في المسلمين، وصاروا يحكِّمون العقل في صفات الله تعالى، وينفون الصفات بالتأويلات، بزعمهم أن العقل يمنعها، جاء من ذلك شر كبير، ومصدر هذا الشر الكبير، عسى الله أن يعفو عن المأمون فيه؛ لأنه هو أول من ترجم الكتب اليونانية، وكان منها هذه المقاييس المنطقية، وقد قدمنا لكم مرارًا (¬2) أن الطريق الأحوط الذي يُنجي المسلم ويخلصه من القيل والقال والبلايا كلها حتى يلقى الله سالمًا على أساس صحيح في نور القرآن العظيم هو أن يلتزم الأسس الثلاثة التي أكثرنا من تكرارها في هذه الدروس، ونحن كررناها قصدًا لشدة الحاجة إليها، وكثرة من غفل عنها من المتعلِّمين، وقد بيّنا لكم مرارًا أَنَّ مَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أن يلقى الله سالمًا ويتخلص من هذا المأزق في آيات الصفات؛ كصفة الكلام، وصفه اليد، والاستواء وجميع الصفات أن يبنيه على ثلاثة أُسس:
أولها: وهو أساس العقيدة الصحيحة: تنزيه خالق السماوات والأرض عن مشابهة خلقه في شيء من ذواتهم أو صفاتهم أو أفعالهم. والخلق صنعة، وهو (جل وعلا) صانعها، والصنعة لا تشبه صانعها لا في ذاته، ولا في فعله، ولا في صفته. فإذا
¬_________
(¬1) يريد أنهم جاءوا فيها بالخوض في الباطل، وإلا فمن المعلوم أن صفة الكلام ثابتة في الكتاب والسنة.
(¬2) راجع ما سبق عند تفسير الآية (52) من سورة الأنعام.

الصفحة 160