كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

استقر هذا الأساس الأعظم في القلوب وطهرت من أقذار التشبيه، وغلب عليها تنزيه خالق السماوات والأرض عن مشابهة خلقه سهل عليها.
الأساس الثاني: وهو أن تؤمن بصفات الله الثابتة في كتابه وسنة رسوله الصحيحة صلى الله عليه وسلم إيمانًا مبنيًّا على أساس ذلك التنزيه. ونحن نكرر لكم مرارًا أن هذا التعليم ما قلناه من تلقاء أنفسنا، لا والله وكلا، ولكنا نقوله في ضوء المحكم المُنَزَّل، كلام رب العالمين؛ لأنه أوضح هذا إيضاحًا شافيًا لا يترك في الحق لبسًا، وذلك أنه لما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أتبعه بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فجميع الحيوانات تبصر -ولله المثل الأعلى- فكأن الله يقول لك في هذه الآية: يا عبدي لا تتنطع وكن عاقلاً، ولا تذهب بصفتي إلى صفة خلقي فتكون مشبهًا، وتضطر إلى التأويلات والبلايا، بل لاحظ في إثبات الصفات أني لا مثيل لي ولا نظير، وأَثْبِتْ لِي صِفَاتِي عَلَى ذلك الشَّرْط المُعَيَّن؛ ولذا جاء بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بعد: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] أي: أثبت لي سمعي وبصري، ولا تذهب بهما إلى مشابهة أسماع الخلق وأبصارهم، بل أثبتهما على أساس ما ذكرتُ قبلهما، وهو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فتثبت له سمعه وبصره على أساس التنزيه والتقديس والتكريم عن مشابهة صفات المخلوقين، فتكون أولاً مُنزّهًا، وثانيًا مُثْبِتًا على أساس التنزيه، وإن جئت يوم القيامة لا يأتيك لوم ولا توبيخ من أنك نزهت الله، والله لا يقول لك الله: لِمَ كنت تنزهني في دار الدنيا عن مشابهة خلقي؟ لا، أبدًا. هذا طريق سلامة محقق. ولا يقول لك: لِمَ كنت تصدقني في صفاتي التي مدحت بها نفسي وأثنى عليَّ بها

الصفحة 161