كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)} [الأنبياء: آية 8] واختلف العلماء في هذا العِجْلِ هل جعل الله فيه لحْمًا ودَمًا وجعله حيًّا، أو هو عجل باقٍ في صورة الذهب والفضة إلا أن الرياح إذا دخلت في منافذه كان يُسمع في داخله صوت يشبه أصوات البقر؟ قال بكلٍّ منهما بعض العلماء (¬1).
وظاهر قوله: {جَسَدًا} أن الله جعله عجلاً، والله (جل وعلا) قادرٌ على كل شيء لا يتعاصى على قدرته شيء. وقوله الآتي: {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ} [طه: آية 57] على أن التحريق معناه التحريق بالنار كما قاله جماعة من العلماء، فيظهر أن العجل صار جسدًا لحمًا ودمًا؛ لأن اللحم والدم إذا أُحرق بالنار يبس وأمكن دقه ونسفه في البحر؛ لأن الذهب والفضة لا يمكن دقهما ونسفهما في البحر، وأما على أن المعنى لنحرّقنّه: نبردنّه بالمبارد كما تشهد له القراءة الأخرى: {لَنَحْرُقَنَّهُ} (¬2) [طه: آية 97] فعلى هذا المعنى فالأليق أن يكون بقي ذهبًا وفضة إلا أنه يصوّت صَوْتَ البَقَر إذا دخلت الريح في داخله.
وقوله: {عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} مفعول (اتخذ) الثاني محذوف لدلالة المقام عليه، أي: اتخذوا عجلاً جسدًا إلهًا معبودًا من دون الله. فحذف المفعول الثاني لدلالة المقام عليه، وهذا هو التحقيق، والنكتة في حذفه: أنه لا ينبغي أن يُتَلَفَّظَ بأن عجلاً مصطنعًا إلهًا (¬3) فحذف لهذه النكتة كما قاله بعضهم.
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (2/ 63)، فما بعدها.
(¬2) انظر: إتحاف فضلاء البشر (2/ 256)، وانظر: القرطبي (11/ 242).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة. وانظر: الأضواء (2/ 333).

الصفحة 166