كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
{عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} قال في سورة طه: إنَّ السامري لمّا اصطنعه لهم قال لهم: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: آية 88] فنسي موسى أن هذا إلهه، وذهب يطلبه في موضع آخر. وقال هنا: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} قرر علماء التفسير أن كل فعل مضارع مجزوم بـ (لم) إذا جاءت همزة الاستفهام قبل لم ففيه في جميع القرآن وجهان معروفان لعلماء التفسير (¬1):
أحدهما: أن المضارع تنقلبُ مُضَارَعَتُه مَاضَويَّة، وينقلب نفيه إثباتًا، فيصير قوله هنا: {أَلَمْ يَرَوْا} ينقلب المضارع ماضيًا، والنفي إثباتًا، فيصير المعنى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ} أي: رأوا أنه لا يكلمهم، أي: علموا بذلك، وعليه فيكون معنى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: آية 1] شرحنا لك. {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} [الكهف: آية 75] قلت لك، {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)} [البلد: آية 8] جعلت له عينين، وهكذا.
أما انقلاب المُضَارَعَة مَاضَوِيَّة فلا إشكال فيه؛ لأن (لم) حرف قلب، تقلب المضارع من معنى الاستقبال إلى معنى الماضي، كما هو معروف لا إشكال فيه.
أما وجه قلب النفي إثباتًا: فالهمزة الداخلة على (لم) مضمنة معنى الإنكار، ففيها معنى النفي، فيتَسَلَّطُ النفي الكامن فيها على النفي الصريح في (لم) فينفيه، ونفيُ النفي إثبات.
الوجه الثاني: أن الاستفهام في (ألم) في جميع القرآن هو استفهام تقرير (¬2)، والمقرر في فن المعاني أن المراد باستفهام
¬_________
(¬1) انظر: الحروف العاملة في القرآن الكريم ص633.
(¬2) انظر: الإتقان (3/ 235)، الحروف العاملة في القرآن الكريم ص634.
الصفحة 167
604