كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

التقرير: هو حمل المخاطب على أن يقر ويقول: بلى (¬1)، وعلى هذا فالمراد بالاستفهام: حمل المخاطبين على أن يقروا ويقولوا: بلى هو لا يكلم ولا يهدي سبيلاً، وليس بشيء يستحقُّ أن يُعبد. وهذا معنى قوله: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ} ألم يروا أن هذا المعبود الذي افتروه واختلقوه لا يكلمهم؟ والمعبود الحق لا بد أن يكون يُكلم، ومعبود أهل السماوات والأرض بالحق يقول عن كلام نفسه: {لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: آية 109]، وفي الآية الأخرى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: آية 27] هذه صفة المعبود حقًّا، أمّا الذي لا يقدر على أن يتكلم كلمة واحدة فهذا ليس بمعبود.
وقوله: {وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} المعبود هو الذي يهدي، كما قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ} [يونس: آية 35] أما الذي لا يهدي سبيلاً أي: طريقًا كائنًا ما كان فلا يمكن أن يكون برب ولا بمعبود، فلما قرر (جل وعلا) أن هذا العجل الذي اتخذوه إلهًا تنتفي عنه الصفات التِي يجب أن تكون للإله صرح بأنهم عبدوه وهم ظالمون في ذلك فقال: {اتَّخَذُوهُ} اتخذوه إلهًا {وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} ظالمين في ذلك.
وقد فسرنا الظلم مرارًا (¬2)، وبيّنَّا أن أصله في لغة العرب: وضع الشيء في غير موضعه، وأكبر أنواع وضع الشيء في غير موضعه:
¬_________
(¬1) انظر: البرهان للزركشي (2/ 333)، (4/ 235)، جواهر البلاغة ص78.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة.

الصفحة 168