كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وضع العبادة في عجلٍ مصطنع جماد!! من عبد هذا وأعطاه حق الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وأكبر أنواع الظلم: وضع العبادة في غير موضعها كظلم هؤلاء بعبادة هذا العجل؛ ولأجل ذلك كثر في القرآن إطلاق الظلم على الشرك بالله كقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] وقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] وقوله: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس: آية 106] أي: من يعبد عجلاً مصطنعًا فهو من الظالمين الواضعين العبادة في غير موضعها كما هو ظاهر.
{وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)} [الأعراف: آية 149].
قوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} كناية عَنْ شِدَّةِ النَّدَمِ، فكُلّ مَنْ أصَابَهُ نَدَمٌ شَدِيدٌ حتى بقي حائرًا من شِدَّةِ نَدَمِهِ تقول العرب: سُقِطَ فِي يَدِهِ (¬1). فمعنى: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} لما ندموا غاية الندم وبقوا مُتَحَيِّرينَ على كُفْرِهِمْ بالله وعبادتهم لعجل مصطنع {وَرَأَوْاْ} رأى هنا بمعنى علم (¬2). أي: وعلموا علمًا يقينًا {أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} ضلوا عن طريق الصواب والرشد، وقد بيّنا في هذه الدروس مرارًا (¬3) أن الضلال جاء في القرآن إطلاقه على ثلاثة معان، وهي إطلاقات معروفة مشهورة في كلام العرب مستفيضة فيه، فمن إطلاقات الضلال: إطلاقه على الذهاب عن الإيمان إلى الكفر، وعن طريق
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 285)، الدر المصون (5/ 462).
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 464).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام.

الصفحة 169