كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الدنيا تشبيه أخس وأنتن وأوضع من تشبيه استيلاء الله على عرشه باستيلاء بشر بن مروان على العراق؟! هذا أخسّ تشبيه عرفه التاريخ وأدناه [15/أ] / وأسفهه وأسحقه، فمن أين سوَّغت لنفسك تشبيه العرش بالعراق، وتشبيه الله ببشر بن مروان؟! ومَنْ بشر بن مروان حتى تشبِّه استيلاء الله باستيلائه على العراق؟! وما هو العراق حتى تشبهه بالعَرْش؟! فأنت أعظم المشبهين نصيبًا في التشبيه، وأكثرهم تشبيهًا، وهذا الباب الذي فتحت، فتحت فيه عن بحور من أنواع التشبيه لا سواحل لها؛ لأنك كنت مشبهًا استيلاء الله على عرشه -الذي زعمت- بكل مخلوق قهر مخلوقًا فغلبه فاستولى عليه، صرت تشبه استيلاء الله باستيلاء كل مخلوق قهر مخلوقًا فغلبه فاستولى عليه!! وهذا تحته من بحور التشبيه بحور لا سواحل لها، وهذا لا ينبغي أيها الإخوان. ولا شك أن هذا الذي حمل الاستواء على مَحْمَلٍ غير لائق، ثم اضطره ذلك إلى أن نَفَى الاستواء، وجاء بدله بالاستيلاء، هو مضطر أن يُنَزِّهَ أحد اثنين: إما أن ينزه الاستواء الذي نَصَّ اللهُ عَلَيْهِ أوَّلاً، أو ينزه الاستيلاء الذي فَسَّرَهُ به.
فنقول: الاستيلاء الذي ذكرت استيلاء منزه عن استيلاء المخلوقين، وكيف ينزه عن استيلاء المخلوقين وأنت تسميه استيلاء بشر بن مروان على العراق؟ أليس بشر بن مروان من المخلوقين؟ واستيلاؤه من استيلاء المخلوقين؟ ولكن نحن نقول: هب أنك تقول: إنك لا بد أن تنزه أحدهما فهو الاستواء الذي نص الله عليه في كتابه، أو الاستيلاء الذي جئت به من قِبَل نفسك؟ ونحن نقول: أيهما أحق بالتنزيه؟ الاستواء الذي نص الله عليه في كتابه، وأنزل به ملكًا من فوق سبع سماوات قرآنًا يُتلى بكل حرف منه عشر حسنات، وهو قرآن يتلى، أهذا أحق بأن ينزه أم

الصفحة 17