كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الجنة إلى طريق النار، وهذا أكثر إطلاقاته. ومنه بهذا المعنى: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: آية 7] وإطلاق الضلال مرادًا به الذهاب عن علم شيء، فليس من الضلال في الدين، فكل من ذهب عن علم شيء تقول العرب: ضل عنه. ومنه بهذا المعنى قول أولاد يعقوب لأبيهم: {إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: آية 95]، أي: ذهابك عن معرفة حقيقة يوسف، هو قد مات من زمان وأنت كل يوم تسأل عنه.
وكقولهم فيه: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [يوسف: آية 8] لا يعنون الضلال في الدين، وإنما يعنون الذهاب عن حقيقة الأمر حيث زعموا أنه فَضَّل يوسف وأخيه عليهم، وأنهم أكثر نفعًا على أبيهم من يوسف وأخيه، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} أي: تذهب عن علم معرفة المشهود به {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: آية 282]، ومنه بهذا المعنى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي} [طه: آية 52] أي: لا يذهب عنه علم شيء سبحانه وتعالى عن ذلك، ومنه بهذا المعنى قول الشاعر (¬1):
وَتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلاً أرَاهَا في الضَّلالِ تَهِيمُ

أي: في عدم معرفة الحقيقة حيث ظنت أني أبغي بها بدلاً، والأمر على خلاف ذلك.
الاستعمال الثالث: هو استعمال العرب الضلال في الغيبة والاضمحلال، يقولون لكل شيء غاب واضمحل يقولون فيه: ضَلَّ، كقولهم: ضل السمن في الطعام. إذا غاب واضمحل فيه، ومنه بهذا
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام.

الصفحة 170