كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
المعنى قوله: {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: آية 24] وقوله: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} [السجدة: آية 10] يعنون: إذا ضلت عظامهم في الأرض؛ أي: أكلها التراب واختلطت به وغابت واضمحلت فيه. ومن أجل هذا كانت العَرَبُ تسمِّي الدَّفْنَ (إضْلالاً) لأنَّ مَنْ دُفِنَ يَضِلّ في التّراب، وتأكل الأرض عِظَامَهُ ويختلط بها؛ ولذا كانوا يسمون الدفن إضلالاً، ومنه قول نابغة ذبيان (¬1):
فَجَاءَ مُضلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... وغُودِرَ بالجولانِ حزمٌ ونَائِلُ
مضلوه: يعني دافنيه. وقول المخبَّل السَّعْدِي يرثي قيس بن عاصم المنقري التميمي (¬2):
أَضَلَّتْ بَنُو قَيْسِ بْن سَعْدٍ عَمِيدهَا ... وفَارِسَهَا في الدَّهْرِ قيسَ بْنَ عَاصِمِ
ومن إطلاق العرب الضلال على الغيبة والاضمحلال قول النَّصْرَانيّ الشَّاعر الأخطل (¬3):
كُنْتَ القَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبدِ ... قَذَفَ الأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلاَلاً
أي: إذا غاب غيبوبة واضْمَحَلّ اضْمِحْلالاً، ومنه بهذا المعْنَى قول الآخر (¬4):
أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرْكَ الدِّيَارُ ... عَنِ الحَيِّ المُضَلّلِ أَيْنَ سَارُوا
أي: المغيب.
¬_________
(¬1) مضت عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام، وصدر بيت النابغة كما في الديوان: «فآب ... ».
(¬2) مضت عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام، وصدر بيت النابغة كما في الديوان: «فآب ... ».
(¬3) مضت عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام، وصدر بيت النابغة كما في الديوان: «فآب ... ».
(¬4) مضت عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام، وصدر بيت النابغة كما في الديوان: «فآب ... ».
الصفحة 171
604