كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
ضمير محذوف، وأن «ما» نكرة ميزت ذلك الفاعل المحذوف، بئس هو ما. أي: شيئًا خلفتموني به.
ومعنى {خَلَفْتُمُونِي} قمتم مقامي في غيبتي فيه، وكنتم خليفتي فيه، وهو عبادة العجل، على أن هذا راجعٌ للسامري ومن عبد معه العِجْل، وعلى أنه راجع للوجهَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -هارون ومن معه- فتكون خلافتهم التي ذَمَّهَا: أنهم لم يمنعوا مَنْ عَبَدَ العجل عَنْ عِبَادَةِ العجل، يعني: لم تخلفني يا هارون في قومي خلافةً حسنة حيث لم تكفف هؤلاء عن عبادة العجل. وهذا أظهر؛ لأنه قال لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: آية 142] ولم يقل للسامري وعَبَدةِ العجل إنهم يخلفونه في قومه، وهذا معنى قوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ}.
{خَلَفْتُمُونِي} تدل على أنه غير موجود، فهي قد تغني عن قوله: {مِن بَعْدِيَ} قال بعض العلماء: وإنما زاد من بعدي مع أن {خَلَفْتُمُونِي} تدل عليها ليشير إلى أنه ما دام موجودًا كان معروفًا بالتوحيد، والقمع عن الشرك، والحمل على ما يُرْضِي اللهَ جَلَّ وَعَلا.
ثم قال منكرًا عليهم: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} للعلماء في هذه الآية أقوالٌ متقاربة (¬1)، وخير ما يفسر به القرآن: القرآن؛ لأن آية طه كالتفسير لآية الأعراف هذه، وعلى ذلك فالمعنى: أن الله أمركم بأمر، ووعدكم وعدًا، وقال لكم على لسان نبيه: إن موسى يذهب إلى الموعد، وأن الله يناجيه وينزل عليه كتابًا وفيه كل خير، وكل هدى ونور، يصلح الله لكم به دنياكم ودينكم وآخرتكم، وهذا وعدٌ
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 288).
الصفحة 179
604