كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الاستيلاء الذي جاء به قوم غير مستند لآية من كتاب الله، ولا حديث من سنة رسول الله، ولا لغة صحيحة معروفة من لغة العرب؟! الجواب: الاستواء أحق بالتنزيه؛ لأنه كلام رب العالمين، وصفات رب العالمين أحق بالتنزيه كما بيناه في الأساس الأول في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11] فعلينا -أيها الإخوان- أن لا نمشي مع مَنْ تَكَلَّمَ فِي آيَاتِ الصفات بما لا يليق بالله، وحَمَلَها على محامل غير طيبة وغير لائقة ثم نفاها على ذلك الأساس، كل هذا لا ينبغي لنا، والذي ينبغي لنا أن نجزم ونعتقد أن الوصف الذي مَدَحَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ أنه بالغ من غايات الكَمَال والجلال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فهو في غاية التنزيه وغاية القداسة والكمال والجلال والتباعد عن شبه صفات الخلق، وعلى هذا الأساس الكريم نؤمن بتلك الصفة على أساس قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} هذا هو الذي ينبغي لنا، ومَنْ مَاتَ مِنَّا عَلَيْهِ مات على طريق واضحة لا لبس فيها ولا إشكال. مات غير مشبِّه ربه بأحد، ولا بقلبه قذر من أنجاس التشبيه، ولا في قلبه تعطيل، ولا جحود بشيء من الصفات، ولا بليّة من البلايا.
فنحن في هذه السور الماضية في تفسير آي هذا القرآن -المرة الأولى والثانية التي نحن فيها- بالغنا في بيان هذا جدًّا، ومرارًا نذكر مذاهب المتكلمين في الصفات، وما يسمون به كل صفة منها، وتقاسيمهم لها، ونبين أنها جميعها جاءت في كتاب الله موصوفًا بها الخلق من جهة، وموصوفًا بها الخالق من جهة، وأن صفة الخالق حق، وهي لائقة بالخالق، وصفة المخلوق حق، وهي لائقة

الصفحة 18