كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
لأنه قال: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ} [الأعراف: آية 154] و (أل) هنا عهدية، وهي الألواح المعهودة التي ألقاها.
/ [19/ب] يقول الله جل وعلا: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: آية 150] لما غضب موسى، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، استعطفه أخوه وقال له: {ابْنَ أُمَّ} معناه: يا ابن أمي {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} يعني: أن القوم الذين عبدوا العجل لما نهاهم كما شهد الله له بذلك في سورة طه في قوله: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: الآيتان 90، 91] فلما ناصبوه وقالوا له علنًا: «لن نبرح عاكفين على عبادة هذا العجل حتى يرجع موسى». دل ذلك على أنهم استضعفوه، أي: تقوّوا عليه واستذلوه، ورأوه ضعيفًا عاجزًا عن مقاومتهم.
{وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} قاربوا قتلي وما قصَّرت، ثم إنه بيّن عذره في طه؛ لأن موسى قال له: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)} استعطفه واعتذر له أيضًا وقال: {إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: الآيتان 93، 94] وقال له هنا: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء} يعني: لا تفعل بي فعلاً سيئًا يفرح به أعدائي، فالشماتة هي سرور العدو بما ينال عدوه الآخر من مكروه أو سوء. فإذا أتى الله إنسانًا بمكروه أو سوء ومصائب نزلت به وفرح عدوه بما أصابه فذلك الفرح يُسمى: الشماتة، والذي تسبب فيه يقال: أشمته به يُشمته، ونفس العدو: شامت؛ أي: فَرِحٌ مَسْرُور بما يصيب عَدُوَّهُ مِنَ الأذَى. وهو
الصفحة 182
604