كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)} {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ} إلهًا فعبدوه من دون الله {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ} الغضب صفة وصف الله بها نفسه إذا انتُهكت حرماته، فنحن نصفه بها كما وصف بها نفسه، وننزه خالقنا أتمَّ التنزيه وأكمله عن مشابهة صفات المخلوقين؛ لأن جميع الصفات من بابِ واحد، فكما أنه (جل وعلا) ذات لا تشبهها شيء من الذوات فكذلك لها صفات لا يشبهها شيء من صفات خلقه، أي: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ} إلهًا فعبدوه من دون الله {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} هذا الغضب كائنٌ {مِّن رَّبِّهِمْ} معناه: يغضب الله عليهم، ومن غَضِبَ الله عليه فقد هلك.
{وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} الذلة: الصغار والهوان.
قال جماعة من العلماء (¬1): هذه الآية من سورة الأعراف في طائفة من بني إسرائيل أُشربت قلوبهم حُبّ العجل، ولم يتوبوا فيمن تاب، بل بقوا غير تائبين، وعدهم الله هذا الوعيد، وهددهم هذا التهديد، وهذا هو الأظهر؛ لأن المعروف أن أكثر الإسرائيليين تاب من عبادة العجل تلك التوبة العظيمة التي بيّناها مفصَّلة في سورة البقرة؛ حيث قدموا أنفسهم للقتل تائبين إلى الله، الواحد منهم يجود بنفسه فيُقتل مرضاة لله وإنابةً إليه، كما تقدم إيضاحه في قوله: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: آية 54] فمن تاب هذه التوبة النصوح
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 292)، ولابن جرير (رحمه الله) تحقيق جيد في معنى الآية فراجعه في تفسيره (13/ 134).

الصفحة 184