كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وهذه الآية الكريمة تدل على أنَّ مَنِ ارْتَكَبَ السيئات العظام ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، والله يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه: آية 82] ويقول للذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة -يستعطفهم ليتوب عليهم مع شناعة كفرهم حيث يقول لهم -: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74)} [المائدة: آية 74] والتوبة واجبة على كل مسلم ومسلمة من كل ذنب كائنًا ما كان (¬1)، ولا يجوز تأخيرها، فإذا اقترف ذنبًا وأَخَّر التوبة منه كان تأخير التوبة ذنبًا يستوجب توبة أخرى.
وقد أجمع العلماء على أن التوبة تتركب من ثلاثة أركان (¬2):
أحدها: الإقلاع عن الذنب إن كان متلبسًا به.
والثاني: الندم على ما صدر منه من الذنب (الندم الشديد).
والثالث: النية ألا يعود إلى الذنب أبدًا.
هذه أركان التوبة التي أجمع عليها العلماء. وفي اثنين من أركانها في كلِّ واحد منهما إشكالٌ معروف (¬3):
أحدهما: الندم، فالندم أجمع العلماء على أنه ركن التوبة، والتوبة واجبة بالإجماع، كما أوجبها الله بقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: آية 31] وركن الواجب واجب إجماعًا، فلا خلاف بين العلماء أن الندم ركنٌ من أركان التوبة واجب. وفي هذا إشكالٌ معروف شديد، وهو أن الندم من
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة الأنعام.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة الأنعام.

الصفحة 186