كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

هو سخط رب العالمين، وغضبه والخوف من عقابه العاجل والآجل، فإذا أخذ الإنسان نفسه أخذًا حقًّا، وعَرَفَ أنَّ حَلاوَةَ المعاصي يضاف فيها السم القاتل الفتَّاك من سخط رب العالمين فلا بد أن يَنْدَمَ، والذي لا يندم إنما جاءه ذلك من أنه يحابي نفسه، وينجرف معها بالمعاصي، فلا يأخذها بالأسباب أخْذًا حقًّا، ولمَّا كان الندم أسبابه مُتَيَسَّرة ومن تعاطاها حقًّا حصل عليه، صار كأنه فعلٌ في طاقة المخلوق فكُلّف به.
وأما الإشكال الثاني: فهو في الإقلاع؛ لأن بعض الناس قد يتوب ويندم ولا يقدر على إكمال الإقلاع، كالذي بث بدعةً وعمل بها الناس في مشارق الأرض ومغاربها، والنبي يقول: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» (¬1) إذا تاب هذا الإنسان وبدعته متمادية يُعمل بها في مشارق الأرض ومغاربها، هل نقول: هو مقلع؛ لأنه فعل طاقته وما يقدر عليه؟ أو نقول: ركن التوبة هنا معدوم؛ لأن الإقلاع معدوم؛ لأن ذنبه متمادٍ جار في أقطار الدنيا؟! وكذلك الإنسان إذا رمى إنسانًا من بعيد بسهم أو رصاصة ثم بعد أن زايل السهم تاب ذلك الإنسان قبل أن يصل السهم إلى المرمى، هل نقول: هو تائب؛ لأنه فعل قدر طاقته؟ أو نقول: لا تقبل توبته؛ لأن الإقلاع ركن في التوبة، ولم يتحصَّل؛ لأن فساده متمادي، وسهمه رائحٌ إلى المسلم ليقتله؟ وكذلك من غصب - مثلاً - أرضًا عشرين كيلاً، ثم إنه ندم وخرج منها، هل هو في أثناء الخروج قبل أن ينفصل عن الأرض لو أدركه الموت نقول: أدركه الموت تائبًا؛ لأنه فعل قدر طاقته؟
¬_________
(¬1) مضى تخريجه عند تفسير الآية (38) من سورة الأعراف.

الصفحة 188