كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
أو نقول: لم تحصل توبته؛ لأن الإقلاع لم يكن؛ لأنه ما زال يشغل فراغًا مغصوبًا بجسمه استولى عليه بغير حقا شرعي؟.
والصحيح عن الأصوليين أن هذا الأخير تقبل توبته وإن كان الإقلاع لم يصح منه؛ لأنه عاجزٌ عنه، وقد جاء في توبته بما يستطيع، والله لا يكلف إلا بما يستطيعه عبده {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: آية 286] وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» الحديث (¬1). وهذان السؤالان في التوبة. وهذا معنى قوله: {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ}.
{مِن بَعْدِهَا} أي: السيئات، {وَآمَنُواْ} داموا على إيمانهم؛ أي: أخلصوا في إيمانهم وتوبتهم {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي: التوبة {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} أو {مِن بَعْدِهَا} أي: من بعد السيئات التي تاب العبد منها {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} كثير الغفران والرحمة لعباده.
{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: آية 154] سكت عن موسى الغضب معناه: سكن غضبه وطفئ. لما طفئ غضبه وسكن، وفي بعض القراءات الشاذة: {وَلَمَّا سَكَنَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} (¬2) يعني: لما سكن غضبه وَطُفِئَ، وذلك باعتذار أخيه حتى عرف صدق عذره، وبتوبة الذين عبدوا العجل حتى قدموا أنفسهم للموت طائعين مَرْضَاةً لربهم.
{أَخَذَ الأَلْوَاحَ} طرح الألواح مِنْ أَجْلِ الغَضَبِ، ولما سكن الغضب أخذها. و (أل) في الألواح عهدية، وظاهر هذه الآية أن
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: البحر المحيط (4/ 398)، الدر المصون (5/ 471).
الصفحة 189
604