كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بالمخلوق، وبين صفة الخالق والمخلوق من المنافاة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق، كررنا هذا مرارًا (¬1).
وسأضرب لكم منه بعض الأمثال الآن للتذكار والفائدة: لا يخفى عليكم أَنَّ مِنْ تَقَاسِيمِ المتكلمين للصفات -في العلم المعروف بِعِلْمِ الكلام - أنهم يقسمون الصفات إلى صفة معنى، وما يسمونه: صفة معنوية، وما يسمونه: صفة سلب، وما يسمونه: صفة جامعة، وما يسمونه: صفة فعل، كما هو معروف عندهم.
فمن صفات المعاني عندهم، وهي الصفات في اصطلاحهم الدالة على معانٍ وجودِيَّة قائمة بالذات زائدة على الذات، وهؤلاء الذين يؤولون الصفات ينكرون جميع المعاني الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله إلا سبعًا منها، وهي: القدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام. وينفون غيرها من المعاني الثابتة. وهذا غلط لا شك فيه؛ لأن جميع الصفات من باب واحد، فنحن أولاً نقول في صفات المعاني: إن الله وصف نفسه بالقدرة فقال: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: آية 148]، ووصف بعض خلقه بالقدرة فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} [المائدة: آية 34] ونحن نعلم أن الله في كتابه صادق في وصف نفسه بالقدرة، وصادق في وصف بعض خلقه بالقدرة، وأن لله قدرة حقيقيَّةً لائقة بكماله وجلاله، وللمخلوق أيضًا قدرة مناسبة لحالِهِ وعَجْزِهِ وافْتِقَارِهِ والفناء، وبين القدرة والقدرة من المنافاة كمثل ما بين الذات والذات، فنثبت قدرة الخالق لائقة بالخالق، منزهة عن مشابهة قدرة المخلوق، ونثبت قدرة
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (147) من سورة الأنعام.

الصفحة 19