كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
الألواح لم تَتَكَسَّر، وأن التوراة لم يُرفع منها شيء، ومعلوم كثرة أقوال المفسرين أنها تكسَّرت، وأنّ رضاضها لم يزل عند الملوك الإسرائيليين، وأنها رُفع منها كل التفاصيل، وبقي منها الهدى والرحمة. ولكن هذا لم يقم عليه دليل يجب الرجوع إليه، وهذا معنى قوله: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ} أي: أخذها ليعمل بما فيها؛ لأن ربه قال له: خذها بقوة.
{وَفِي نُسْخَتِهَا} النسخة هنا (فُعْلَة) بمعنى (مفعول)، أي: المنسوخ فيها، أي: المكتوب فيها من التوراة من كلام رب العالمين، وفيه {هُدًى} أي: دلالة وإرشاد إلى الخير، ورحمة تقي عذاب الله وسخطه لمن عمل به.
{لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} الذين هم يخافون الله، وخصَّهم لأنهم هم المنتفعون به، وجرت العادة في القرآن أن الله يخص المنتفعين (¬1)، كما قال: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: آية 11] وهو منذر للأسود والأحمر، {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45)} [النازعات: آية 45] وهو منذر للجميع، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: آية 45] وهو مذكر لمن يخاف ومن لا يخاف كما هو معلوم.
واللام في قوله: {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ففيها أوجه (¬2)، وأظهرها أن المعمول إذا قُدِّم على عامله ضعفت تعديته إليه، فإذا جيء باللام تقوَّتِ التَّعْدِيَةُ، ونظيره قوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 472).
الصفحة 190
604