كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وزعم الأخفش الصغير -سليمان بن علي- أن النصب بنزع الخافض مطَّرِدٌ قِيَاسِيٌّ إذا أُمِنَ اللَّبْسُ، وجماهير علماء العربية يقولون إنه سَمَاعِي يُحْفظُ ما سُمع منه ولا يُقاس عليه، كما هو معلوم في محلّه (¬1).
واختار موسى من قومه سبعين رجلاً. اعلم أن هذه السبعين لا شك أن الله أمر موسى أن يختارها، ووقَّت لها وقتًا معينًا يأتيه بها في محل معين، إلا أنه مُخْتَلَف في ميقات هذه السبعين ما هو؟ وما سببه؟ اختلف العلماء في ذلك (¬2)، فذهب بعض العلماء إلى أن ميقات السبعين هذه المذكور هنا في قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا} زعم بعضهم أنه الميقات الأول الذي قال فيه: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: آية 143] وأن الله لما أمر موسى بذلك الميقات أمره أن يأتيه في سبعين رجلاً من قومه يختارها، وتكون من خيارهم، وأنه جاءه بسبعين منهم، وسأل الله أن يُسمعهم كلام الله، فسمعوا كلام الله يكلم موسى، يأمره ويَنْهَاه، افْعل ولا تفعل، وأنه لما انْقَضَتِ المُنَاجَاةُ، وارْتَفَعَ عَمُود الغمام الذي كانوا فيه قالوا له: يا موسى {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: آية 55] وأنهم أخذتهم الصاعقة، كما سيأتي تفصيله، وعلى هذا القول فالميقات ميقات السبعين هو ميقات موسى للمناجاة وإنزال التوراة. وهذا القول ليس بظاهر؛ لأن ما وقع في الميقاتين والقِصَّتَيْن كله مختلف، فيظهر أنه ميقات آخر وقصة أخرى، وللعلماء فيه أقوال:
¬_________
(¬1) انظر: البحر المحيط (4/ 398)، الدر المصون (5/ 474).
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 140)، ابن كثير (2/ 249).

الصفحة 192