كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ثم قال موسى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} الذي جرأ موسى على أن يضيف الفتنة إلى الله هو أن الله قال له: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)} [طه: آية 85] فأسند الله هذه الفتنة لنفسه بقوله: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} فجرأ ذلك موسى على أن يقول: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} سواء قلنا: إنَّ الرجفة أخذتهم بسبب قولهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} فهذا امتحان وابتلاء من الله، أو بسبب أنهم عبدوا العجل فذلك ابتلاء وامتحان من الله، أو بسبب أنهم لم ينهوا من عَبَدَ العجل فذلك ابتلاء وامتحان من الله. وهذا معنى قوله: {إِنْ هِيَ} أي: الفتنة التي فتنوا بها، ما هي إِلاَّ {فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء}.
وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا أن (الفتنة) أُطلقت في القرآن إطلاقاتٍ معروفة مشهورة (¬1)، فمن أشهر إطلاقاتها: الاختبار والامتحان، ومنه قوله: {لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: الآيتان 16 - 17] {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: آية 35] فأشهر إطلاقاتها: الامتحان والابتلاء.
ومن إطلاقات الفتنة هو: الإحراق بالنار كقوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} [النازعات: آية 13] أي: يحرقون، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: آية 10] أحرقوهم بنار الأخدود على القول بذلك.
ومن إطلاقات الفتنة: نتيجة الاختبار إن كانت سَيِّئَةً خاصةً، كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: لا يبقى شرك على وجه الأرض، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (53) من سورة الأنعام.

الصفحة 197