كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
لشيء من مذاهبهم، ولما كانت قراءةً شاذةً لا تجوز القراءة بها فلا معول عليها ولا طائل لما أخذوه منها واستدلوا به لمذاهبهم الباطلة.
وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} الرحمة صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الله اشْتَقَّ مِنْهَا لِنَفْسِه اسمه (الرحمن) واسمه (الرحيم)، وهي على التحقيق من صفات المعاني القَائِمَة بذاته (جل وعلا)، وكثيرٌ من المتكلمين الذين يُؤَوِّلون صفات الله ويحملونها أولاً على محامل غير طيبة ثم يُلْجِئُهم ذلك إلى تأويلها يزعمون أنها صفة فعل. وذلك ليس بحق، والحق أنها صفة ذات من صفات المعاني القائمة بذات الله، ولا تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ المخْلُوقِين، ليس فيها رقة مخلوقية، ولا انعطاف مخلوقي، لا وكلاّ، بل هي صفة كمال وجلال لائقة برب العالمين، منزهةٌ كل التنزيه، مقدسةٌ كل التقدير، لم تشبه شيئًا من صفات الخلق.
وقوله: {وَسِعَتْ كُلَّ شيء} رحمة الله واسعةٌ لا تضيق عن شيء، فهي تسع كل شيء كائنًا ما كان. و (الشيء) عند أهل السنة والجماعة يُطلق على الموجود، ولا يُطلق على المعدوم (¬1)، فكل موجود يُطلق عليه اسم (الشيء) عند أهل السنة والجماعة، ولا يُطلق (الشيء) على [المعدوم] (¬2). وجاز إطلاقه على الله كما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: آية 88] وقال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: آية 19]، ولا يطلق على المعدوم بدليل أنّ الله صرح بأن المعدوم ليس بشيء كقوله:
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (96) من سورة الأنعام.
(¬2) في الأصل: «الموجود» وهو سبق لسان.