قوله (كتاب الله) أي: ما كتبه وقَضَاهُ وحَكمه. ومنه بهذا المعنى قول ابن أبي ربيعة (¬1):
كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى الغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيولِ
وهذا معنى قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي: يجعلون بينهم وبين غضب خالقهم وعقابه وقاية تقيهم سخط ربهم وعذابه. وتلك الوقاية هي امتثال أَمْرِهِ واجتناب نهيه (جل وعلا) كما بيّناه مرارًا (¬2). أي: يتقون الشرك والمعاصي، ويمتثلون أوامِرَ الله، هذا معنى قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}.
أكثر العلماء على أن معنى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} يُعطون الحقوق الواجبة في المال المقررة المفصلة في السنة في المواشي والزروع والثمار والمعادن والذهب والفضة والتجارة وما جرى مجرى ذلك مما تجب فيه الزكاة، وأن هذا هو المراد بالزكاة الحقوق الواجبة في المال.
وقال بعض العلماء: هي زكاة الأبدان وتطهيرها من أدران الذنوب والمعاصي والشرك بطاعة الله (جل وعلا)؛ لأن من أطاع الله زكى، أي: طهر من أدناس الذنوب وأرجاسها كما قال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: آية 21] هذا معنى قوله: {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ
¬_________
(¬1) البيت في البيان والتبيين (2/ 236)، عيون الأخبار (2/ 49)، جمهرة خطب العرب (3/ 357)، الأغاني (9/ 264).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (48) من سورة البقرة.