كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بما في التوراة، كما بينا ذلك سابقًا في المائدة في الكلام على قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة: آية 44] أي: يحكمون بها بأمرٍ من الله أنهم يحكمون بما فيها، إلى غير ذلك من الفوراق (¬1). وفي حديث البراء الثابت في الصحيح أنّ البراء لما قال: «آمنت برسولك الذي أرسلت» قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ» (¬2). وذلك يدل على أنه لو قال: «رسولك الذي أرسلت» يكون الكلام تكرارًا محضًا، فلما قال: «وَنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ» صار الكلام ليس تكرارًا محضًا. هذا معنى قوله: {يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف: آية 157].
الأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يعرف الكتابة ولا يعرف قراءة الكتب. وقد عرفتم في السيرة والتاريخ في صلح الحديبية أنه لما كتب عليٌّ (رضي الله عنه) وثيقة الصلح التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية مع سهيل بن عمرو العامري قال: هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش. قال له: امحُ عنّا هذا، لو كنا نقرّ بأنك رسول الله لما صددناك عن البيت الحرام وأنت محرم. فقال لعلي: امْحُها. فامتنع علي أن يمحوها، فطلب منهم أن يروه محلها -لا يعرفها- حتى محاها (¬3). هذا يُذكر في
¬_________
(¬1) من المفيد في هذا الموضوع مراجعة كتاب النبوات لشيخ الإسلام ص55، وانظر: الرسل والرسالات للأشقر ص14، 15.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (59) من سورة البقرة.
(¬3) أخرجه البخاري في المغازي، باب عمرة القضاء، حديث رقم (4251)، (7/ 499).

الصفحة 206