كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: آية 146] لشدةِ إيضاحه بالصفات الكاشفة التي لا لبس فيها بُينت لهم صفاته موضحة، وأُخذت عليهم المواثيق إن بعثه الله ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذ الله ذلك الوعد على جميع الرسل، وعلى جميع أمم الرسل على ألسنة الرسل، كما أوضحه الله (تعالى) في سورة (آل عمران) وهو قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتيناكم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} وفي القراءة الأخرى: {لماءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ} (¬1) هو محمد صلى الله عليه وسلم على أصح التفسيرين، وهو الحق الذي لا شك فيه -إن شاء الله- وجزم به غير واحد {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)} [آل عمران: الآيتان 81، 82] أخذ عليهم هذه العهود المؤكدة العظيمة بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وبيّن لهم صفاته الكاشفة ونعوته الواضحة، كما قال هنا: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا} أي: صفته ونعته الذي يوضحه ولا يترك فيه لبسًا.
{مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ} [الأعراف: آية 157] قرأ هذا الحرف عامة القراء غير أبي عمرو: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ} وروي عن الدوري أنه اختلس الضمة، وقرأه أبو عمرو: {يَأْمُرْهُمْ بِالمَعْرُوفِ} بسكون الراء (¬2). وجزْم الفعل المضارع بلا جازم للتخفيف لغةٌ موجودةٌ في كلام العرب، جاءت بها
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص167.
(¬2) للوقوف على القراءات في الراء من (يأمرهم) انظر: السبعة (156)، النشر (2/ 212)، الإتحاف (2/ 65).

الصفحة 208