كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
أَكَلْنَا الرُّبى يَا أُمَّ عمروٍ وَمَنْ يَكُنْ ... لَدَيْكُمْ غَريبًا يأكُلُ الحَشَرَاتِ
أي: لشدة جوعه. وسُئل أعرابي عن جماعته من البدو: ما تأكلون؟ قال: نأكل كل ما دب ودرج إلا أم حُبين. فقال: لِتَهْنِ أم حُبين العافية. وأم حبين دويبة معروفة، يفر الإنسان ويستقذرها إذا رآها. فعلى هذا القول فالاستخباث الطَّبعي من العرب الذين لم تلجئهم ضرورة الجوع قد يكون عنوانًا للتحريم عند بعض العلماء، وهو مذهب الشافعي (رحمه [20/ب] الله) ومن وافقه، قال:/ دلت هذه الآية وأمثالها في القرآن على أن كل ما يستخبثه الطبع العربيُّ السليم الذي لم يَشْتَد جوعه أنه لا يجوز؛ لأنه يصدق عليه اسم الخبيث في لغة العرب التي نزل بها القرآن. والخبائث حَرَّمَهَا اللهُ في كتابه على لسان رسوله، وتحريم هذا النبي الكريم للخبائث من أعلام نبوته (صلوات الله وسلامه عليه)؛ لأنه مكتوبٌ في الكتب السابقة أنه إذا بُعث: من صفاته أنه يحرم الخبائث، فإذا جاء محرمًا لها كان ذلك من معجزاته ومصداقًا لنبوته صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أن الذي يستخبثه الطبع السليم العربي كأشياء كثيرة كالخنفساء والحشرات، وما جرى مجرى ذلك، والعقارب والحيات: بعض العلماء يقول: هو حرام لهذه الآية الكريمة، كالشافعي، وأن الذين أجازوا ذلك كمالكٍ وأصحابه قالوا: ليس المراد بالخبث استخباث الطبع، وإنما المراد به ما دَلَّ الشرع على خبْثِهِ كما هو مُقَرَّرٌ في مذاهب الأئمة، وهذا معنى قوله: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}.
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن عامر: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} بكسر الهمزة وإسكان الصاد، وقرأه ابن عامر وحده: {ويضع عنهم آصَارهم والأغلال التي كانت