كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
أن الواحد منهم كان لا يصلي إلا بالماء، ولا يصلي إلا في الكنيسة، وإذا مست النجاسة شيئًا من ثوبه لزم أن يقرضه بمقراض، إلى غير ذلك من التشديدات (¬1)؛ بخلاف هذه الأمة فقد رُفع عنها ذلك، فجُعلت لها الأرض كلها مسجدًا وطهورًا، وأُجيز لها إزالة النجاسة بالماء، وسهل لها كل شيء كان مُصَعَّبًا على من قبلها، وهذا معنى قوله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.
وهنا عَبَّر عن التكاليف الشاقة بالأغلال؛ لأن الأغلال كأنها تُقَيِّدُ صاحبها وتمنعه، وكذلك التكاليف الشاقة والأغلال التي كانت عليهم جاء النبي بوضعها كلها، وجاء بحنيفيةٍ سمحة، فالأرض فيها طهور، والأرض كلها مسجد، والماء يطهر كل شيء، وكل من استعصى عليه شيء وشق عليه رخص له فيه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: آية 78] أي: من ضيق {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: آية 185]، والآيات في مثل ذلك كثيرة، وهذا معنى قوله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} أي: أثقال التكاليف التي كانت عليهم جاء صلى الله عليه وسلم بإزالتها ووضعها؛ لأنه (صلوات الله وسلامه عليه) جاء بالحنيفية السمحة التي لا حرج فيها. وهذا معنى قوله: {وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.
{فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ} أي: صدقوا به صلى الله عليه وسلم وبما جاء به: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ} قرأ الجمهور: {عَزَّرُوه} وفي بعض القراءات -غير السبعة-: بتخفيف الزاي (¬2).
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 300).
(¬2) انظر: البحر المحيط (4/ 404)، الدر المصون (5/ 481).