كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
البصائر يعميهم النور، والله قد صرح في سورة الرعد أن من لم يعلم أحقية هذا القرآن وأنه الحق الذي لا شك فيه أن ذلك إنما جاءه من قِبل عماه؛ لأن الأعمى إذا كان يعجز عن رؤية الشمس لا يؤثر ذلك في ظهور الشمس شيئًا!! فنحن نقول: لا شك في وضوح الشمس وإن كان الأعمى لا يراها!! كذلك القرآن معجزته ونوره أوضح وأعظم من نور الشمس، ولا ينافي ذلك أن هنالك عميانًا لا يرون الشمس في رابعة النهار!!
إِذَا لمْ يكنْ للمرءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ ... فلا غَرْوَ أنْ يَرْتَابَ والصُّبْحُ مُسْفِرُ (¬1)
والله صرح بهذا في سورة الرعد في قوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: آية 19] فصرح أن الذي منعه من أن يعلم أنه الحق إنما هو عماه.
........................... ... وَلاَ تَرَى الشَّمْسَ عَيْنٌ تَشْتَكِي العَوَرَا
كما هو معروف. فهؤلاء -والعياذ بالله- الذين يعدلون عن هذا النور الذي هو أعظم من نور الشمس في رابعة النهار، وأوضح وأشد كشفًا وإيضاحًا لحقائق الأشياء وإيضاح الحق من الباطل، والحسن من القبيح، والنافع من الضار، هم خفافيش البصائر قطعًا والخفاش إذا ارتفع شعاع الشمس، وانتشر ضوؤها على الدنيا، وصار جميع الناس يمشون في ذلك الضوء، يقضون جميع حوائجهم، أعمى ذلك الضوء الخفافيش، فإذا جاء الظلام وزال النور قام الخفاش يفرح ويمرح، وذلك الظلام عنده كأنه ضوء.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (128) من سورة الأنعام.