كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

خَفَافِيشُ أَعمَاهَا النهارُ بِضَوئِهِ ... فَوَافَقَها قِطْعٌ من الليلِ مُظْلِمُ (¬1)

فإذا رأيت من لا يقبل كتاب الله ولا يطلب الهدى فيه، ويذهب ويزعم أن الهدى في زبالات أذهان الكفرة الفجرة الخنازير الحمير فاعلم أنه خفاش البصيرة يقينًا لا شك في ذلك، وأنه إنما عمي عن نور القرآن الذي هو أعظم من نور الشمس كما أعمى نور الشمس الخفاش، كما هو مشاهد:
مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ... نُورًا ويُعْمِي أَعْيُنَ الخُفَّاشِ (¬2)

كما هو معروف، وهذا معنى قوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: آية 157] المفلحون: جمع المفلح، وهو اسم فاعل (أفْلَحَ) والعَرَب تقول: (أفلح) إذا نال الفلاح، والفلاح يُطلق في اللغة العربية إطلاقين معروفين صحيحين (¬3):
أحدهما: تُطلق العرب الفلاح على الفوز بالمطلوب الأكبر، فَمَنْ فَازَ في مطلوبه الأكبر تقول العرب: «أفلح»، ومنه قول لبيد بن ربيعة (¬4):
فَاعْقِلي إِنْ كُنْتِ لمَّا تَعْقِلي ... ولَقْد أَفْلَح مَنْ كَانَ عقَلْ

يعني: فاز بأكبر المطلوب من كان عنده العَقْل؛ لأنه رأس الخيرات.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (128) من سورة الأنعام.
(¬2) السابق.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (8) من سورة الأعراف.
(¬4) مضى عند تفسير الآية (8) من سورة الأعراف.

الصفحة 216