كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الإنسان قبل أن تحيا، فالذي تمكثه وأنت نطفة كأنك ميت، والذي تمكثه في بطن أمك وأنت علقة كأنك ميت، والذي تمكثه وأنت مضغة كذلك، فإذا نفخ الله فيك الروح فقد أحياك الإحياءة الأولى بعد الإماتة الأولى. ثم إذا أمَاتك المرة الثانية وصرت إلى القبر فقد مِتَّ الموتة الثانية، ثم يحييك حياة البعث، وهي الإحياءة الثانية التي كانوا ينكرون؛ ولذا قالوا لما أحياهم الإحياءة الثانية وعاينوها وبُعثوا: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} [غافر: آية 11] وقد أوضح الله هاتين الإحياءتين والإماتتين في سورة البقرة في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} الآية [البقرة: آية 28] هذا معنى قوله: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} ومن كان يحيي ويميت فهو الذي يُخاف منه غاية الخوف؛ لأنه لا يقع على الإنسان في هذه الدار الدنيا حادث أعظم من الموت الذي يقطعه عن كل شيء.
والمَوْتُ أَعْظَمُ حَادِثٍ ... فيمَا يَمُرُّ عَلَى الجِبِلَّهْ (¬1)

ولا شيء أعظم -من التصرفات- من إحياء الإنسان بعد موته والإتيان به حيًّا بعد أن صار عظامًا رميمًا -سبحان ربنا وخالقنا ما أعْظَمَهُ! وما أعظم قدرته (جل وعلا)! وما أظهر براهين توحيده! - وهذا معنى قوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ} أي: صَدِّقُوا بِهِ وَبِكُلِّ مَا يجب له، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
{النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} [الأعراف: آية 158] قرأ نافع هنا في
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (157) من هذه السورة.

الصفحة 220