كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الله وسلامه عليه) فهو (صلوات الله وسلامه عليه) أفضل الرسل، وخير العالمين صلى الله عليه وسلم، ومنْذُ بَعَثَهُ الله لم تبلغ دعوته أحدًا من الخلق ولم يؤمن به إلا دخل النار، فالذين يقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى العرب ولم يُرسل إلى غَيْرِهم كفرة ملاحدة، كفرة بالله، مكذبون كتاب الله، مخالفون الضروري من دين الإسلام، فهو صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الخلائق كما صرحت به هذه الآية الكريمة {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وجاء في آيات أُخر من كتاب الله وأحاديث صحيحة معروفة، فمن الآيات الدالة على ذلك (¬1): قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان: آية 1] فصرح بأنه نذير للعالمين، وكقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: آية 19] فكُلّ مَنْ بَلَغَهُ هَذَا القرآن فهو مُنْذَرٌ بِرِسَالَةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: آية 28] أي: إلا للناس كافة على التحقيق، خلافًا لمَنْ زَعَمَ من علماء العربية أن صاحب الحال إذا كان مجرورًا باللام أنه لا تتقدم عليه الحال (¬2).
والمتأخرون من علماء العربية قالوا: إن ذلك جائز وتدل عليه الآية التي ذكرنا، وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: آية 28]. {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: آية 17] وكلّ مَنْ سَمِعَ بِرِسَالَةِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وبلغته ولم يؤمن به دَخَلَ النَّارَ؛ لأنه رسول الله إلى الأسود والأحمر، وليس الخلق كافة (صلوات الله وسلامه عليه)، مرسل إلى الجن والإنس، عام الرسالة،
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 334).
(¬2) انظر: الدر المصون (9/ 186).

الصفحة 224