كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

باقيها إلى يوم القيامة؛ لأن الله لما أرسله رسالة عامة وجعلها باقية على مر العصور جعل معجزتها -وهي هذا القرآن العظيم- قائمة باقية تَتَرَدَّد في آذان الخلق إلى يوم القيامة، محفوظة من رب العالمين، لو أراد إنسان أن يزيد حرفًا أو ينقصه، أو نقطًا أو ينقصه لرد عليه الآلاف من صبيان المسلمين في أقطار الدنيا؛ لأن الله تولى حفظ هذا القرآن المحكم الذي هو أساس هذه الرسالة العامة الخالدة (صلوات الله وسلامه على من جاء بها). وهذا معنى قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
الرسول هنا (فَعُول) بمعنى (مُفْعَل) إني مرسل من الله إليكم جميعًا.
وقد قدمنا مرارًا (¬1) أن علماء العَرَبِيَّة يقولون: إن أصل الرسول أصلُه مصدر وُصف به فجيء به بمعنى اسم المفعول، وإتيان المصادر على وزن (فَعُول) مسموع في أوزان قليلة كالقبول والولوع والرسول، في أوزان قليلة. وفائدة ذكرنا أن أصل الرسول مصدر وُصف به وجيء به بمعنى اسم المفعول؛ لنُزِيل بذلك إشكالاً في كتاب الله، وإيضاح ذلك: أن المعروف عند عُلَمَاءِ العَرَبِيَّة أن المصادر إذا نُعِت بها -أعني أُجريت مجاري الأوصاف- أنها تُلْزَمُ الإفراد والتذكير باللغة الفصحى (¬2)، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه نساءٌ عدل، وهذه امرأة عدل، وهؤلاء رجال عدل. هذا في اللغة الفصحى، وربما تُنُوسي أصل المصدر وعُومل معاملة الأوصاف نظرًا إلى وصفيته
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (130) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (46) من سورة الأنعام.

الصفحة 225