كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وأن القوانين الوضعية خزي ووبال وكفر على أصحابها، يعطون مُسْتَحَق خالق السماوات والأرض لأجهل خلق الله، وأخسهم وأكفرهم سبحانه (جل وعلا) أن يكون له في حكمه شريك، كما تقدس (تعالى) أن يكون له في عبادته شريك، فحكم الله (جل وعلا) كعبادته، فَكَمَا أنَّ مَنْ أشْرَك به في عبادته كافر به فكذلك مَنْ أشْرَكَ به في حكمه فهو كافر به.
والقرآن بين استوائهما، قال في الإشراك في العبادة: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 110] وقال في حكمه: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: آية 27] {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 26] وقرأه ابن عامر من السبعة: {ولا تُشْرِك في حكمه [21/ب] أحدًا} (¬1) / فالحكم لخالق السماوات والأرض، لا تشريع لغيره، لا تحليل إلا لله، ولا تحريم إلا لله، ولا تشريع إلا لخالق السماوات والأرض {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)} [يونس: آية 59] فما جعل (جل وعلا) بين إذنه والافتراء عليه واسطة.
وقد ذكرنا مرارًا (¬2) أن هذه الآيات القرآنية تدل على أن الذين يتحاكمون إلى نظم وضعية وقوانين لم يشرعها خالق السماوات والأرض زاعمين أنها هي الكفيلة بتنظيم الحياة، ومسايرة ركب الحضارة، والكفالة للناس بحقوقهم، زاعمين -لطمس بصائرهم وقلة عقولهم- أن نور السَّمَاءِ الذي أنزله خالق السماوات والأرض
¬_________
(¬1) مضت عند تفسير الآية (109) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (57) من سورة الأنعام.

الصفحة 229