كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
على سيد الخلق من تشريع رب العالمين لا يمكن أن يكون كفيلاً بذلك!! فهؤلاء كفرهم لا يخفى، ولا يشك في كفرهم وبعدهم من الإيمان إلا مَنْ طَمَسَ اللهُ بَصِيرَتَهُ. وهذا كثير في القرآن لا تكاد تحصيه في المصحف الكريم.
وقد بيّنا لكم مرارًا في هذه الدروس والمناسبات (¬1) أن ذلك الأمر وقعت فيه مناظرة بين حزب الشيطان وحزب الرحمن، وكل يتمسك بمستنده، فحزب الشيطان يتمسك بوحي الشيطان وفلسفة إبليس، وحزْب الرَّحْمَن يَتَمَسَّكُ بهذا الوحي المُنَزَّل الذي لا يَضِلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. ولما تناظرت الفئتان تَوَلَّى الحكم بينهما خالق السَّمَاوَاتِ والأرض بفتوى سماوية تُتْلَى في كتاب الله على آذان الخلق. وهذا أوضحناه في هذه الدروس مرارًا، وأكثرنا مِنْ ذِكْرِه في المناسبات لشدة الحاجة إليه، ذلك أن إبليس أوحى من وحيه الشيطاني إلى إخوانه مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: أن سلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الشاة تصبح ميتة من هو الذي قتلها؟ فأجابهم: «بأن الله قتلها» فاستدلوا على إباحة الميتة بفلسفة إبليس ووحي الشيطان فقالوا: ما ذبحتموه بأيديكم -يعنون المُذَكَّى- تقولون: هو حلال، وما ذبحه الله بيده الكريمة -يعنون الميتة- تقولون: حرام. فأنتم إذًا أحسن من الله؟! فهذه طائفة تتمسك بوحي إبليس، وفلسفة الشيطان، وتقول: إنه أحسن، وأن ذبيحة الله أحل من ذبيحة الناس!! وهذه طائفة أُخرى تتمسك بهذا المحكم المنَزّل في تحريم الميتة {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة: آية 173] هؤلاء يستدلون بالقرآن وهؤلاء بوحي الشيطان، فتناظرا هذه المناظرة،
¬_________
(¬1) السابق.