كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

فتولى الله الفتيا فيها قُرآنًا يُتلى في سورة الأنعام، فأنزل في هذا: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يعني: الميتة.
أي: وإن زعموا أنها ذبيحة الله، ثم قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} أي: خروج عن طاعة الله، ثم قال: {وَإِنَّ الشياطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} يعني وحي الشيطان وفلسفة إبليس {لِيُجَادِلُوكُمْ} بوحي الشيطان: ما ذبحتموه حلال، وما ذبحه الله حرام، فأنتم إذن أحسن من الله!! ثم أفتى بين الفريقين، وحكم بين الخصمين قال: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: آية 121] فحكم على هؤلاء المسلمين أنهم إن أطاعوا حزب الشيطان واتبعوا نظام إبليس وتشريعه وقانونه بالفلسفة الإبليسية أن ما ذبح الله أحل مما ذبح الناس أنهم مشركون.
وهذه الآية الكريمة من سورة الأنعام هي عند علماء العربية مثال لحذف اللام الموطئة للقسم (¬1). قالوا: هنا قسم، واللام الموطئة محذوفة، والأصل: ولئن أطعتموهم إنكم لمشركون. قالوا: والقرينة الدالة على لام القسم الموطئة المحذوفة: أنه لو لم يكن هناك قسم وكانت (إن) الشرطية في قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} خالية من قسم لوجب اقتران الجملة بالفاء في قوله: فإنكم لمشركون. فلما عريت من الفاء دل خلوها من الفاء على حذف القسم. وهذا وجيه. فما زعمه قَوْمٌ مِنْ أَنَّ الفَاءَ في جملة الجزاء التي لا تصلح أن تكون فعلاً للشرط أنه يجوز سقوط [الفاء] (¬2) منها اختيارًا، فهو غير صحيح، والتحقيق في لغة العرب: أنها لا بد من اقترانها بالفاء، وأن سقوط الفاء من آية الأنعام هذه نظرًا للقسم
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (57) من سورة الأنعام.
(¬2) في الأصل: «الجزاء».

الصفحة 231