كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
المخالفة لما جاء به الرسل: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا} [يس: الآيات 60 - 62] أضل الشيطان منكم خلائق كثيرة لا تحصى، ويدخل فيها الدخول الأوَّلِي: الذين اتبعوا نظامه وقانونه وتشريعه، وفضلوه على نور السماء الذي أنزله خالق الخلق على خيرته مِنْ خَلْقِهِ وهُمْ الرسل (صلوات الله وسلامه عليهم). ثم قال: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس: آية 62] لم تكن هنالك عقول ترشدكم إلى أن الذي يتبع تشريعه ويطاع في تحليله وتحريمه هو خالق هذا الكون الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت، وأن ذلك ليس للشيطان ولا لاتباع الشيطان. ثم بيّن المصير والقرار النهائي لمن كان يتبع تشاريع إبليس ونظمه وقوانينه: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: الآيات 63 - 65].
وهنالك قوم قد أرادوا التَّحَاكُم لغير ما أنزل الله، وزعموا أنهم مؤمنون، فعجَّب الله نبيه من دعواهم الكاذبة الخائنة الفاجرة؛ لأنها حقيقة بأن يُعْجَبَ منها، وما ذلك إلا لشدة كذبها وبعدها عن الحق، وذلك بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60)} [النساء: آية 60] فالله قال مستبعدًا لحجة هؤلاء مستبعدًا لصدقها: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ} إرادتهم للتحاكم للطاغوت أبعدت دعواهم عن أن يُقبل منهم أنهم يؤمنون. والآيات